سورة الجن - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} إبليس أو مردة الجن. {عَلَى الله شَطَطاً} قولاً ذا شطط وهو البعد ومجاوزة الحد، أو هو شطط لفرط ما أشط فيه، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً} اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك بظنهم أن أحداً لا يكذب على الله، و{كَذِبًا} نصب على المصدر لأنه نوع من القول أو الوصف المحذوف، أي قولاً مكذوباً فيه، ومن قرأ {ن لَّن تَقُولَ}أَ كيعقوب جعله مصدراً لأن التقول لا يكون إلا {كَذِبًا}.
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الجن} فإن الرجل كان إذا أمسى بقفر قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه. {فَزَادوهُمْ} فزادوا الجن باستعاذتهم بهم. {رَهَقاً} كبراً وعتواً، أو فزاد الجن والإِنس غياً بأن أصلوهم حتى استعاذوا بهم، والرهق في الأصل غشيان الشيء.
{وَأَنَّهُمْ} وأن الإِنس. {ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ} أيها الجن أو بالعكس، والآيتان من كلام الجن بعضهم أو استئناف كلام من الله تعالى، ومن فتح {أن} فيهما جعلهما من الموحى به. {أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً} ساد مسد مفعولي {ظَنُّواْ}.
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السماء} طَلَبنا بلوغ السماء أو خبرها، واللمس مستعار من المس للطلب كالجس يقال ألمسه والتمسه وتلمسه كطلبه واطلبه وتطلبه. {فوجدناها مُلِئَتْ حَرَساً} حراساً اسم جمع كالخدم. {شَدِيداً} قوياً وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها. {وَشُهُباً} جمع شهاب وهو المضيء المتولد من النار.
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مقاعد لِلسَّمْعِ} مقاعد خالية عن الحرس والشهب، أو صالحة للترصد والاستماع، و{لِلسَّمْعِ} صلة ل {نَقْعُدُ} أو صفة ل {مقاعد}. {فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} أي شهاباً راصداً له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم، أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد، وقد مر بيان ذلك في (الصافات).
{وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأرض} بحراسة السماء. {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} خيراً.
{وَأَنَّا مِنَّا الصالحون} المؤمنون الأبرار. {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي قوم دون ذلك فحذف الموصوف وهم المقتصدون. {كُنَّا طَرَائِقَ} ذوي طرائق أي مذاهب، أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائقنا طرائق. {قِدَداً} متفرقة مختلفة جمع قدة من قد إذا قطع.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا} علمنا. {أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِى الأرض} كائنين في الأرض أينما كنا فيها. {وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} هاربين منها إلى السماء، أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمراً ولن نعجزه هرباً إلى طلبنا.


{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى} أي القرآن. {آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ} فهو لا يخاف، وقرئ: {فَلاَ يُخَفَّفُ} والأول أدل على تحقيق نجاة المؤمنين واختصاصها بهم. {بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} نقصاً في الجزاء ولا أن يرهقه ذلة، أو جزاء بخس لأنه لم يبخس لأحد حقاً ولم يرهق ظلماً، لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب ذلك.
{وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون} الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة. {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً} توخوا رشداً عظيماً يبلغهم إلى دار الثواب.
{وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} توقد بهم كما توقد بكفار الإِنس.
{وَأَنْ لَوِ استقاموا} أي أن الشأن لو استقام الجن أو الإِنس أو كلاهما. {عَلَى الطريقة} أي على الطريقة المثلى. {لأسقيناهم مَّاء غَدَقاً} لوسعنا عليهم الرزق، وتخصيص الماء الغدق وهو الكثير بالذكر لأنه أصل المعاش والسعة ولعزة وجوده بين العرب.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم كيف يشكرونه، وقيل معناه أن لو استقام الجن على طريقتهم القديمة ولم يسلموا باستماع القرآن لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم في كفرانهم. {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ} عن عبادته أو موعظته أو وحيه. {يَسْلُكْهُ} يدخله وقرأ غير الكوفيين بالنون. {عَذَاباً صَعَداً} شاقاً يعلو المعذب ويغلبه مصدر وصف به.
{وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} مختصة به. {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً} فلا تعبدوا فيها غيره، ومن جعل {أن} مقدرة باللام علة للنهي ألغى فائدة الفاء، وقيل المراد ب {المساجد} الأرض كلها لأنها جعلت للنبي عليه الصلاة والسلام مسجداً. وقيل المسجد الحرام لأنه قيل المساجد ومواضع السجود على أن المراد النهي عن السجود لغير الله، وآرابه السبعة أو السجدات على أنه جمع مسجد.
{وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله} أي النبي عليه الصلاة والسلام وإنما ذكر بلفظ العبد للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه، والاشعار بما هو المقتضى لقيامه. {يَدْعُوهُ} يعبده {كَادُواْ} كاد الجن. {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} متراكمين من ازدحامهم عليه تعجباً مما رأوا من عبادته وسمعوا من قراءته، أو كاد الإنس والجن يكونون عليه مجتمعين لإِبطال أمره، وهو جمع لبدة وهي ما تلبد بعضه على بعض كلبدة الأسد، وعن ابن عامر {لُبَداً} بضم اللام جمع لبدة وهي لغة. وقرئ: {لَبَداً} كسجداً جمع لابد و{لِبَداً} كصبر جمع لبود.
{قَالَ إِنَّمَا ادعوا رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} فليس ذلك ببدع ولا منكر يوجب تعجبكم أو إطباقكم على مقتي، وقرأ عاصم وحمزة {قل} على الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام ليوافق ما بعده.
{قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً} ولا نفعاً أو غياً، عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعاراً بالمعنيين.


{قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ الله أَحَدٌ} إن أراد بي سوءاً. {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} منحرفاً أو ملتجأ وأصله المدخل من اللحد.
{إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله} استثناء من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة، أو من ملتحداً أو معناه أن لا أبلغ بلاغاً وما قبله دليل الجواب. {ورسالاته} عطف على {بَلاَغاً} و{مِنَ الله} صفته فإن صلته عن كقوله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه. {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} وقرئ: {فَانٍ} على فجزاؤه أن. {خالدين فِيهَا أَبَداً} جمعه للمعنى.
{حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} في الدنيا كوقعة بدر، أو في الآخرة والغاية لقوله: {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} بالمعنى الثاني، أو لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار وعصيانهم له. {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} هو أم هم.
{قُلْ إِنْ أَدْرِى} ما أدري. {أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّى أَمَداً} غاية تطول مدتها كأنه لما سمع المشركون {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} قالوا متى يكون إنكاراً، فقيل قل إنه كائن لا محالة ولكن لا أدري ما وقته.
{عالم الغيب} هو عالم الغيب. {فَلاَ يُظْهِرُ} فلا يطلع. {على غَيْبِهِ أَحَداً} أي على الغيب المخصوص به علمه.
{إِلاَّ مَنِ ارتضى} لعلم بعضه حتى يكون له معجزة. {مِن رَّسُولٍ} بيان ل {مِنْ}، واستدل به على إبطال الكرامات، وجوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون بغير وسط، وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقياً عن الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء. {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من بين يدي المرتضى {وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} حرساً من الملائكة يحرسونه من اختطاف الشياطين وتخاليطهم.
{لّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ} أي ليعلم النبي الموحى إليه أن قد أبلغ جبريل والملائكة النازلون بالوحي، أو ليعلم الله تعالى أن قد أبلغ الأنبياء بمعنى ليتعلق علمه به موجوداً. {رسالات رَبّهِمْ} كما هي محروسة من التغيير. {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} بما عند الرسل. {وأحصى كُلَّ شَئ عَدَداً} حتى القطر والرمل.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جني صدق محمداً أو كذب به عتق رقبة».

1 | 2